الموت والحياة تحت النار في غزة

2024-04-18 12:25:57

سهى سكر

قطاع غزة

في تمام السادسة والنصف من مساء اليوم الثالث كانون أول ديسمبر أي بعد مرور يومين فقط على انتهاء الهدنة اليتيمة وصفقة تبادل الأسرى، ودون سابق انذار دخلت دبابات الاحتلال حي الشجاعية؛ شرق مدينة غزة؛ وهو الحي الذي أقطن فيه منذُ نعومة أظافري. كانت أصوات القصف تأتي من كل حدب وصوب، ولم نعد نعلم مكان القصف ولا اتجاهه، لا أدري كيف مرت تلك الليلة القاسية على سكان الحي، وأصبح يلوح في الأذهان هل تشرق علينا شمس نهار جديد ونحن أحياء، أم سنكون تحت الأنقاض كألاف غيرنا.

بدأت أصوات الناس تعلو في الطرقات هربا من القصف وأصوات الانفجارات في الرابعة فجراً، ودون تفكير خرجنا من المنزل لحظة بزوغ الشمس، حاملين أملًا بأن يكون عمر منزلنا أكثر من عمر هذه الحرب المجنونة، خرجت تاركة خلفي ذكريات طفولتي وأحلامي ولحظاتنا العائلية السعيدة، على أمل ان أعود لغرفتي وبيتي بسلام بعد أيام قليلة، ولكن خابت آمالي وتبددت أحلامي.

هربنا هرولة يبحث كلاً منا عن الأخر تحت زخات الرصاص، وقذائف المدفعية فوق رؤوسنا والنار تندلع من كل جانب، وفي تلك اللحظة احتضنت يد أمي الدافئة كي لا أتوه في زحام الهاربين من الموت، وصلنا إحدى مراكز الايواء في حي الدرج، الذي تواجد فيه الأقارب، تلك كانت المرة الأولى التي نلجأ فيها لمراكز الايواء في كل تاريخ الحروب على غزة.

تلفظت أنفاسي بصعوبة من شدة الخوف والتعب في أحد صفوف المدرسة المليء بالنازحين، وبعد أقل من ساعة اندلعت أصوات قصف مروحي داخل المدرسة، وبدأ صراخ الأطفال والنساء يعلوا، لا أدري كيف تزاحمنا للهروب من المدرسة التي تجمع فيها آلاف النازحين... هنا شهيد وهناك جرحى ينزفون، وأطفال يصرخون هربا من الموت إلى جحيم ومصير مجهول، لا مكان يتسع لنا... لا مكان آمن.

هرولنا خلف جموع النازحين إلى شارع الثورة وسط مدينة غزة، حيث تتواجد به عدد من المدارس ومراكز الايواء المدمرة، لم نجد أي غرفة صالحة أو مكان نستريح فيه قليلاً، كانت المشاهد مُروعة؛ أطفال يرتعدون من شدة الخوف ونساء تبحث عن أطفالها، وفي الجهة المقابلة رجل عجوز خانته سنوات عمره على مساعدة نفسه أو الآخرين.

في تمام الخامسة مساءً جلست أنا وعائلتي في الطابق الأرضي لإحدى العيادات الطبية، لم يسعفني البكاء هذه المرة، انتظرنا أخي الكبير الذي تركنا ليبحث عن مكان آمن... خابت آماله، وافترشنا الأرض بقطع من الكرتون لنرتاح قليلاً من رحلة الموت، جلستُ على كرسي متحرك على الأرجح يعود لأحد الأطباء في العيادة، وبدأت أبكي على وجعنا، وجوعنا، وخوفنا وآلامنا، ولكن لم يسمع صوت أنيني أحد، فصوت القصف والخراب يعلو المكان، كان الليل طويلاً قاسياً، مُظلماً كظلمة جوف البحر، الوقت يمر عصيباً كما لم يكن من قبل، وعقارب الساعة تكاد لا تتحرك، والبرد شديد، والموت قريب وأصوات القصف لم تهدأ للحظة، تمنيت بأن تتوقف الحياة ويستفيق العالم... لكن لا حياة لمن تنادي.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...