شاهد على الحرب

2023-12-03 12:57:00

 رامي محسن؛ محامي مختص في قضايا حقوق الإنسان/ غزة

هذه الكلمات قمت بكتابتها تحت القصف، وعلى وقع أصوات الانفجارات المجنونة، وما يصاحبها من حرق للأعصاب وخوف وقلق وحيرة، في هذه الأسطر سنستعرض قليل من المشاهد الإنسانية الحية والمؤلمة، والتي كان يفترض أن تهز وجدان العالم والمنظمات الإنسانية، التي تشاهد حجم القتل والدمار وتشتم رائحة الدم والبارود، وتسمع أصوات الانفجارات، وأعمدة الدخان الأسود، وألسنة النار، التي تحرق أجساد الأبرياء، وهو ما شاهده العالم في مجزرة المستشفى المعمداني.

وعلى سبيل المثال فإن الأطباء يجرون عمليات جراحية في أروقة وممرات المستشفيات دون "التخدير" بسب نفاذ الأدوات الطبية بفعل إصرار إسرائيل على إغلاق القطاع وحصاره. ذاك طبيب يحمل بين ذراعيه طفلا رضيعا في ممر المستشفى، وآخر يحتضن طفلة جريحة فقدت كل أسرتها وبقيت الناجية الوحيدة وقد علا صوت صراخها من هول المصيبة والجروح التي ملأها الاسمنت وبقايا الصواريخ، وفي الجهة المقابلة أربع أطفال إصاباتهم بالغة الخطورة يتلقون الإنعاش على سرير واحد، والطبيب فادي الخضري ينهار مع وصول سيارة الإسعاف لأنها تحمل والده وأخيه، وفي الجهة الثانية طبيبة تكتشف أنها تسعف زوجها لتفجع باستشهاده.

سيارة إسعاف كانت متوجهة بمهمة لإنقاذ المصابين جراء استهداف جديد، تم قصفها لتسيل دماء طاقمها بين شهيد وجريح، دون أن تكترث الطائرة الحربية لأي من القواعد الإنسانية والأخلاق العسكرية في الحروب... علينا أن نتخيل كيف قام أحد رجال الإسعاف بحمل جثمان زميله على "الشيالة" التي يستخدمانها معا لنقل الجرحى.

 وينطبق الحال على الصحفيين، الذين شيعوا زملائهم إلى مثواهم الأخير جراء، والمشهد يتكرر في ناحية ثانية فذاك طفل مغرق بالدماء، ورأسه محاط بالشاش الأبيض الطبي يحاول تهدئة والده قائلا: "لا تخف يا أبي، أنا "كويس"، خليك قوي، متخافش"، ومن بعيد يأتي رجلا مسرعا تبدو عليه علامات الذهول والصدمة حاملا بين يديه أشلاء أطفاله في كيس بلاستيكي وجده بمحاذاة الشارع.

 وطفل أخر يبكي بحرقة ويقول: "بديش أموت يما، بديش أموت"، في الحقيقة تدخلت القدرة الإلهية وبقي على قيد الحياة... هل ستفارقه الصدمة طوال حياته؟

في مكان أخر تعرض للقصف شاب ينبش بأظافره عن أفراد أسرته تحت ردم منزلهم المدمر، يرفع حجرا تلو الأخر وينادي بأعلى صوته من بين الثقوب بصوت هستيري “وينك يا عبد الله... عبود... يما، ردي عليا يما"، لكن لا أحد يسمع أو يجيب... علما بعدها أن الجميع قد فارق الحياة، في نفس المربع طفلان يركضان خلف سيارة الإسعاف التي تقل جثمان والدتهما، ويصرخون "ماما... ماما... بدنا ماما".

تسبب القصف المجنون بإبادة حوالي (400) عائلة بأكملها ولم يعد لها أي ذكر في السجلات المدنية، قالها محمود درويش: "ستنتهي الحرب، وستبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم"، وقال مارتن لوثر كينغ: "أن التوق للحرية يتجلى في نهاية المطاف".

خلفية... الحياة والموت ليس أرقاما

تتعدد الأوصاف بشأن الحرب الدائرة على قطاع غزة للأسبوع الثاني على التوالي؛ لكنها تتفق باختلاف درجات القسوة قبل العدوان واثنائه، وسبق أن وصفت صحيفة الغارديان البريطانية القطاع على أنه: "أكبر سجن في العالم"، ووصفته هآرتس الاسرائيلية على أنه "تحول من أكبر سجن في العالم إلى أكبر زنزانة في العالم"، وفي أحسن الأحوال يصفه بـ "أكبر سجن مفتوح في الهواء بالعالم".

وحذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة روبرت بايبر صيف 2017، من أن القطاع في طريقه ليصبح غير صالح للحياة، بسبب الحصار وتدهور الأوضاع الإنسانية.

 وفي ظل الحرب الممنهجة والواسعة النطاق المتواصلة على هذا القطاع الساحلي المكتظ بالسكان العزل، فإنه ليس كأي عدوان مضى، من حيث عدد الضحايا، وحجم المتفجرات والصواريخ التي صبها الجيش الإسرائيلي على غزة خلال هذا العدوان وهو ما يوازي حجم ما ألقته الولايات المتحدة الأميركية على أفغانستان خلال عام كامل.

ووفقا لما قاله المستشار العسكري في المنظمة الهولندية "باكس من أجل السلام" مارك غارلاسكو، ومحقق أممي سابق في جرائم الحرب في ليبيا، في حديث مع صحيفة واشنطن بوست؛ فإن إسرائيل ألقت (6) آلاف قنبلة، تزن أكثر من (4) آلاف طن متفجرات؛ وهو ما يوازي يوازي ربع قنبلة نووية، وفقاً لمعطيات المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان فإن العدوان خلف حصيلة صادمة من المآسي، ونزف حاد للمشاعر، مع الكثير من الخسائر في الأرواح، والممتلكات، والبنى التحتية؛ إذ تشير إحصائية وزارة الصحة بتاريخ 19/10/2023 أن عدد الشهداء تجاوز (3785)، ومثلهم تقريبا مفقودين تحت الردم، بينهم أكثر من (920) طفلاً و(700) امرأة، وأكثر من (12) ألف إصابة بجروح مختلفة.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...