في الطريق إلى تدمر.. حكاية نهاية وطن

2016-06-11 09:23:41

أسعد أبو طامع/ جنين

تشرق تدمر من روح المدينة السورية العريقة الجميلة بآثارها، ولا يشتاق إليها إلا من رآها ورأى آثارها ولو مرة واحدة في التلفاز، فيقفز القلب إليها. وفي الطريق إليها لافتات تقول: تدمر 270 كم، تدمر 100 كم، تدمر 40 كم . وعند وصولك تسمع صوتا يخاطبك باللهجة السورية: "هادول ما شوفناهم ولا مرة بحياتنا".

هذا الاسم: "في الطريق إلى تدمر"، يصلح عنوانا للفيلم الوثائقي "رحلة إلى الذاكرة"، للمخرجة السورية هالة محمد، الذي عرضته قناة الجزيرة ضمن سلسلة أدب السجون .

أحداث الفيلم

ويروي الفيلم خلال سير حافلة صغيرة قصة طولها ما يقارب 400 كم، عن ثلاثة رجالغسان جباعي؛ وهو مخرح مسرحي، وياسين الحاج صالح؛ وهو كاتب، وفرج بيرقدار؛ وهو شاعر. دخلوا سجن تدمر في عمر الشباب، وقضوا فيه ما بين 10 إلى 16 سنة، ولم يكونوا حين اعتقالهم ليعتقدوا يوما أن هذه المنطقة يمكن أن تحتوي على سجن، شكلوا فيه مجتمعا منعزلا.

 وتبدأ روايات الكهول الثلاثة منذ خروج الحافلة من دمشق، لتقلهم إلى سجن رئيس، بعد انتهاء التحقيق معهم كمعارضين، ومنتمين لحزب سياسي غير حزب البعث السوري؛ الوحيد المعترف به، والوحيد في فترة سوريا البعثية.

 لكن المفاجأة الكبرى أنهم يتفقون على أن طريقة التعامل معهم خلال مغادرتهم مكان الاحتجاز، لم توح بأنهم سيرسلون إلى سجن درعا الشهير بسمعته السيئة، والذي تنطبق عليه عبارة "الداخل مفقود، والخارج مولود" ، فعلا.

يركب الثلاثة الحافلة باتجاه مدينة درعا شرقا، وتنطلق حكاية الألم في رواية لكل منهم، ولكن طريقة التشويق التي تنتهجها المخرجة بالصوت والصورة، تتزايد مع اقتراب الحافلة من درعا، لتجذب المشاهد إلى القصص التي تروى، عبر تركيزها على اليافطات المنتشرة على الطريق، والتي ما إن تنظر" الكاميرا" إلى إحداها، حتى يجد المشاهد نفسه يقترب من درعا، فتزداد قصص السجناء ألما.

ضياع الوطن على أسوار السجن

 ما يرويه السجناء هو عن حياة بسيطة، اعتادوا خلالها على الذل والمهانة، وعودوا أنفسهم على حياة بلا مغالاة بالأمل فيها، واستبعدوا أي تفكير في الحياة خارج الأسوار، فلا أمل لهم في الخروج من السجن، لدرجة أن ياسين يصف نفسه بعد تسع سنوات في السجن، بأنه أصبح كاليونانيين في التعامل مع الروح، فالروح عنده تتجسد في الكماليات، ودائما ما كان يرسم المثاليات والكماليات في عقله على صورة حياة وعلاقات مع الناس والمرأة، التي يقول عنها"في السجن تشكلت لدي نساء عديدات في مخيلتي، كنت أخترعهن من خيالي، ولاحقا تشكلت لدي صورة المرأة المثلى، حتى إذا خرجت من السجن، ملأ قلبي الفراغ؛ فأي امرأة واقعية ستظلمها الصورة المثلى لامرأة الخيال.  ولن تستطيع أي امرأة أن تسد ذلك الفراغ في قلبي ".

هذه الانطباعات التي يتكلم عنها السجناء، تدخل في النفوس حقدا على كل ظلم تمارسه أجهزة الأمن، وما ابتكرته ونفذته على الأسرى السياسيين من أساليب قمع، رغم عدم وجود اتهام يقرر مصير حياتهم في محكمة من أي نوع، لعل أحدهم يعلم كم سيقضي في السجن، ومتى يمكن أن يخرج منه، وما سيخططه لحياته!

 وللفيلم رونق خاص يميزه من يشاهده، يتمثل في التركيز على الشخصيات ونبرات صوتها وإيماءات وجهها، وحزنهم على عمر مضى من ضياعا لحبهم للوطن، دون أن يبذل هذا الوطن وشعبه شيئا لهم! سيملأ الفيلم قلوب بعض من يشاهده حزنا، ويبكي على حال بعض دول وما وصلت إليه من انتهاكات، بل من عجائب الأمور التي إما أن تحكي عنها، أو أن تدفن في نعش بالقبور.

 

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...