في كل مجزرة هناك ناجٍ وحيد

2021-05-24 12:48:26

إسراء صلاح/غزة

يعيش الطفل في مدن العالم مطمئن وآمن مع العائلة، يلعب ويلهو ويتذوق حلاوة الطفولة، يخزن أيامه الجميلة في شريط الذاكرة، ليزداد حنينًا لبراءتها ورقتها كلما كبر، لكن في غزة، يحمل الطفل هموم وآلام الطاعنين في السن بلغوا من الكبر عتيًا، طفل يعيش في جحيم الدنيا، وأقصى الأمنيات له أن يكون هو الناجي، والشاهد على ظلم المحتل وقهره.

عمر الحديدي ذو الستة أشهر الناجي الوحيد من قصف منزل لعائلة أبو حطب في مخيم الشاطئ .. كان يناغي ويضحك للحياة سعيدًا؛ لقد أدخل البهجة على قلب أمه وأبيه حين لمعت الضحكة الأولى من ثغر مبسمه الصغير، فكان يحب ملاعبة إخوته له بحركاتهم البلهاء ليجعلوا سكر ضحكته يزداد حلاوة، كان حضن أمه هو أمان العالم الوحيد، لكنه وفجأة، استيقظ على كابوس غيَّب ضحكته ووجه أمه ودفء عائلته، فاستيقظ على ألم لا يحتمل، محمولاً بين ذراعين غريبين لم يتعود عليهما، يصرخ ويبكي بحرقة يبحث عن رائحة أمه لتداوي جرحه وكسر ساقه، يصرخ متعطشًا لحليبها الذي لن ترضعه إياه بعد الآن، جسدٌ بستة أشهر يحمل هموم قضية عمرها تجاوز السبعين عامًا.

سوزي ذات العشرة أعوام، الناجية مع والدها بعد قصف منزل عائلة اشكنتنا في شارع الوحدة بغزة، بقيت عشر ساعات تحت الأنقاض، لك أن تتخيل ظلام شديد، وجسد ضعيف بين فكي وحش كاد أن يُطبق، ضربات قلب سريعة، نفس ضيق، شهيق وزفير، كأن الروح تصعد للسماء، أنين لا يسمعه صدىً ليرد، ساعات لم يستطع عقلها الصغير تفسير ما حدث، حتى خرجت لنور الحياة بصدمة وفقدان وآلام لا تداويها الأيام، فبين الأنقاض أطفال حملوا العالم فوق أجسادهم الصغيرة.

الطفل عزيز الكولك، عشرة أعوام الناجي الوحيد أيضًا من أسرته التي بقيت تحت الأنقاض ست ساعات متواصلة بعد قصف منزلهم في شارع الوحدة، وكان قد قال عزيز لعمه وهو بالمشفى: "أنا أعلم أنني الناجي الوحيد، لأني رأيت أمي وأبي ينزفون حتى الموت"، لقد كان عزيز يغمض عينيه حين يرى في التلفاز مشهدًا فيه رعب وقتل، لكنه رأى موت أهله أمام عينيه ولم يستطع اغماضهما.

يعيش الشخص حياته في حالة من الكد والتعب ليُكوِّن أسرة تحت سقف آمن، لكن في مدينتنا، التي حوَّلها المحتل إلى مدينة أشباح، تحولت البيوت الآمنة إلى قنابل موقوتة تسقط على ساكنيها لتفتك بهم، فيسقط تعب السنين على ورود العمر ليطفئ شمعة الحياة.

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...