إسراء صلاح/غزة
لم يكتف غدر العدو من القصف والدمار وقتل الأبرياء وهدم البيوت الآمنة، بل تدمروا الثقافة والكتب على نهج المغول الذين دمروا مكتبة بغداد وأغرقوها في نهر دجلة، فالعدو يخشى القراءة لأنها ابنة الثقافة، ويدرك أن لا رقي لأمة لا تقرأ، وأن حضارة الشعوب تُقاس بقوة ثقافتها.
مكتبة سمير منصور من المكتبات العريقة في قطاع غزة، ففي جعبتها كثير من الكتب والمجلات، وكان الطلاب ينهلون منها علمًا ودراسات جامعية، والمثقفون يزدادون بها إيمانًا بكُتَّاب الثورة والقضية لعل أشهرها كتب غسان كنفاني ومريد البرغوثي ودرويش، والعشاق الغير مولعون بالثقافة يشترون للحبيبة كتبًا لتزداد بها حبًا كلما قرأت حروفه، ولعل أكثر الاهداءات هي رواية قواعد العشق الأربعون لاعتقادهم أن للعشق قواعدٌ يجب اتباعها، لقد كانت المكتبة أيقونة لجيل الشباب.
فروايتي غسان كنفاني، عائد إلى حيفا وما تبقى لكم التي تدور أحداثها في غزة، خرجت من بين الأنقاض تشهد على وحشية ما قام بها المحتل، وتشهد أن الوطن هو أن لا يحدث ذلك كله، كأن كنفاني انتفض وردد، أنا عائد بكلماتي وبما تبقى من أشلائي، فالكلمات لا تموت طالما أن للإنسان قضية، وفلسطين كما قال هي أكثر من ذاكرة، أكثر من ريشة طاووس، أكثر من ولد، أكثر من خرابيش قلم رصاص على جدار السلم، فالشهيد غسان كنفاني، الذي اغتاله موساد الاحتلال الاسرائيلي في سيارته في العاصمة بيروت بسبب قوة كلماته التي لا تطفئ فتيل الغضب في روح الفلسطيني، أشهرها "لا تمت قبل أن تكون ندَّاً" ، فقد كانت كتبه مستفزة وهي صامدة على الرف فأراد اغتيالها.
قواعد العشق الأربعون، لإليف شافاق والأكثر حبًا وطلبًا، أيضًا خرجت من زحام الموت لتذكر بالعشق الذي ورد فيها؛ بألا تخاف من المؤامرات أو المكر والمكائد التي يحيكها الآخرون، فالله هو المخطط الأكبر وكل ما يفعله جميل، وعشاق الله لا ينفذ صبرهم مطلقًا، لأنهم يعرفون أنه لكي يصبح الهلال بدرًا، فهو يحتاج إلى وقت، وستعود المكتبة يومًا لتنبض بالحياة، فعطش الثقافة لا يروى إلا بزمزم الكتب، والدول لا تقوم إلا بالعقول.
مصدر الصورة: الإنترنت