دعاء شوامرة/ رام الله
"ليس تماما" ديوان شعري يروي حكاية وطن؛ حكايا عن فلسطين، حكايا عن ذكر متوحش يتجول في البرية الفلسطينبة بالمعنى الجمالي وليس الجندري، وبلغة إباحية وجرأة غير معهودة، تماما كالغزل الماجن، تبتعد عن الصورة النمطية للشعر التقليدي الموروث، الذي طالما تناول حكايات البطولة والكفاح والمشهد اليومي في حياة الفلسطيني الملأى بالنضال، مما جعل الديوان يخرج عن المألوف، وتضاف له صفة التميز. وقد أبدع الشاعر يوسف الشايب في ذلك، خاصة عند تناوله لقضايا بشكل غير مباشر، تاركا للقارئ فرصة التأويل والتفسير وقراءة ما بين السطور.
لقد اختار الشاعر الفلسطيني أن يغرد خارج السرب، ويخوض غمار التحدي والمغامرة في اقتحام مناطق يتجنبها معظم الكتاب والشعراء؛ ليبقوا في منأى عن أسئلة الذائقة، وحفاظا على القيم الاجتماعية السائدة.
إطلاق الديوان
أطلق الشاعر يوسف الشايب ديوانه "ليس تماما" في احتفالية تم تنظيمها في متحف محمود درويش، التي بدأت بعرض فلم قصير يحكي عن الشاعر، تخللته آراء بعض الشعراء والكتاب الفلسطينيين؛ أمثال غسان زقطان، والشاعر وليد الشيخ، والقاص والكاتب زياد خداش، الذين أجمع ثلاثتهم على تميز الشايب في طرحه لحياة الفلسطيني وكفاحه بهذه الصورة التعبيرية الجريئة، وأشادوا بقدرته على الحديث عن الوطن بهذا المجون، دون ان ينتقص ذلك من مقدار حبه أو انتمائه للوطن. كما تخلل الحفل إلقاء الشايب بعض قصائد الديوان، وإلقاء الشاعر المتوكل طه كلمة أكدت ما جاء على لسان من سبقوه.
وحضر الأمسية الشعرية نخبة المثقفين في مجتمعنا، التي تعتبر الكلمة واللوحة والنوتة مؤشرات تعكس ثقافة المجتمع على كافة الصعد، وهي على الأغلب النخبة ذاتها التي تدفع المبدعين للأمام، بالحضور والإصغاء. نعم؛ لم يكن الحشد كبيرا، لكنه كان كافيا ليرسم البسمة والقبول على وجه الشايب، خاصة عندما تهافتوا للحصول على إمضائه على نسخهم بعد انتهاء الأمسية، بالتزامن مع مديحه ومباركة ديوانه الذي ربما لن يكون مقبولا لدى المحافظين الذين يعتبرون وصف جسد المرأة فحشا لا جرأة!
ما وراء العنوان
ليس تماما ما كتبه الشاعر أو استخدمه من عبارات هو ما يعنيه! فعنوانه يرتبط ارتباطا وثيقا بمحتواه، ويحمل معاني في نفس الشاعر قد ندرك بعضها ونجهل الآخر. ويبقى الأمر متروكا لحكم القارئ تبعا لعينه واتساع أفقه.
وبذكاء لافت يترك الشاعر القارئ في حيرة حول ما يقصده بـ"ليس تماما"؛ التي يمكن أن تعني أنه "ليس تماما أن هذه هي كل الحكايات كاملة كما حدثت". وقد يكون "ليس تماما هذه هي كل الحكايات، وللحكاية بقية".
عن الأسلوب
اقتحم الشاعر شعر التغني بالوطن بلغة جريئة صادمة للوهلة الأولى، بجمل قصيرة قد لا تتجاوز الكلمة في بعضها، ولكنها تحمل من المعاني والصور والمفارقات ما يجعل القارئ يستشعر صورا حية كانت حصيلة خمسة عشر عاما من حياة الشايب، صقل خلالها لغته وطورها، واستفاد من عمله كصحفي، وقدمها لنا في مشاهد وصور شعرية رائعة، امتازت ببساطة اللغة وبعدها عن الزخرفة والتكلف البلاغي، والإضافات التي قد تفقد الجمل معانيها. كما يتضح تأثر الشاعر بغيره من الكتاب والشعراء، كما ظهر من بعض الاقتباسات والتشبيهات.
"ليس تماما" ديوان شعر مختلف يستحق الاهتمام والالتفات إليه، ويستحق أن يأخذ مكانته بين دواوين الشعر والقصائد الموجوده على الساحة. وعلينا نحن، كقارئين، ألا نستعجل في الحكم عليه، أو نخرج باستنتاجات سريعة، وأن نمعن مليا في المعنى الحقيقي المقصود، الذي هو أبعد بكثير عن المعنى الحرفي للكلمات.
نهاية، إليكم بعض قصائد الديوان:
حكاية
البيت قديم
وكذلك الزوجان
هو في الستين
هي في العشرين
تزوجا قبل ثلاثين عاما!!
بعد ثلاثة أسابيع
هجرهما الحب.
بات يسلي أحلام يقظته بشراء أوراق اليانصيب
وتسلي الآخرين بأنوثتها.
يشتري ورقة جديدة
يهذي
الوقت يتسرب كالماء من تحت أبوابي لينساب عند الآخرين
-----
اعتراف
أعترف:
أنا عميل للفرح
أبيع السرور بكل أنواعه في متجري
وشيئا من هراء،
أؤجر الابتسامة أحيانا
لبائعات الهوى
وللمعذبين في الأرض.
شفتاي
مكتبة للحب
لا مكان للمزامير فيها
بين الملابس الداخلية لهن
أعترف:
أنا رسالة في بريد إلكتروني
ضلت طريقها إلى الجنة.
